منذ ثمانينات القرن الماضي تقريبا بدأت مشاهد تعاطي المخدرات في غزو السينما المصرية بشكل مكثف، ومع انتشار موجة الكوميديا حديثا أصبحت المخدرات ضيفا مفروضا على الأسرة العربية في أغلب الأفلام.
وغيرت ثورة 1953 من تفاصيل هامة في الأفلام المصرية لم ينتبه لها الكثيرون حتى الآن، فمع تغير طبيعة المجتمع المصري نفسه، من مجتمع إقطاعي أرستقراطي إلى مجتمع اشتراكي مكافح؛ تغيرت طبيعة البطل في الأفلام، فالبطل الذي كان عندما تهجره حبيبته قبل الثورة يذهب إلى أى "بار" ليشرب حتى يسكر، وهو المشهد التقليدي المعاد في السينما المصرية، أصبح بعد الثورة يذهب إلى أي "غرزة" لتعاطي الحشيش.
ولأن المخدرات عادة ما ترتبط بالكوميديا كما أسلفنا، فنجد على رأس الممثلين الكوميديين الذين استفادوا من المخدرات وأقحموها في أفلامهم عادل إمام، فإمام الذي عاصر أفلام السكر وأفلام المخدرات واستطاع أن يطور في الكوميديا العربية بأسلوبه الخاص؛ هو من أطلق صرخته الأكثر شهرة في منتصف الثمانينات "أنا شربت حشيش يا سعاد" من فيلم "كراكون في الشارع"، وهو أيضا أحدث من تكلم عنها في فيلمه الأخير "مرجان أحمد مرجان" محاولا فيه إدخال مصطلحات جديدة للمخدرات انتشرت بين الشباب كـ"الأسيد" و"البيلات" وغيرها إلى الأسرة العربية من خلال شخصية أحمد مكي في الفيلم، ناهيك طبعا عن مشاهد جلسات التحشيش في "السفارة في العمارة" وفي غيرها من أفلامه.
أما أكثر من اشتهر بتأدية دور "الشاب المسطول" فهو محمد سعد بلا منازع، فبعد النجاح الغريب الذي حققته شخصية "اللمبي" في فيلم الراحل علاء ولي الدين "الناظر صلاح الدين"، استشعر صناع السينما تشوق الشباب إلى مشاهد المخدرات في الأفلام بعد تجاوبهم مع الشخصية بإدمانها و"غيببتها" الدائمة بطريقة مذهلة، مما دفعهم إلى إنتاج فيلم منفصل تحت عنوان "اللمبي" تم فيه تجسيد كل جنوح وجنون الشخصية، وساعدت في النجاح المذهل للفيلم الممثلة الجبارة عبلة كامل دون شك، ولكن صناع السينما لم يكتفوا وقرروا استمرار استثمار الشخصية في أفلام أخرى مثل "اللي بالي بالك" و"عوكل" و"بوحة" و"كركر".
أدى محمد سعد في هذه الأفلام نفس الشخصية المسطولة دائما دون أن تكون المخدرات هي التيمة الرئيسة فيها، معتمدا على تذكر الجمهور لأدواره السابقة التي تفسر ظهور شخصية بهذا الشكل، في حين تبدو الشخصية لإنسان مريض عقليا، ومن المرجح أن يبدأ محمد سعد تصوير فيلمه الجديد "اللمبي وجولييت" مع الفنانة السورية سلاف فواخرجي.
أيضا وجد أحمد عيد في المخدرات طريق الوصول إلى البطولة المطلقة في فيلمه الأول "ليلة سقوط بغداد"، ففي هذا الفيلم يتحول بقدرة قادر من "ضرّيب بانجو" إلى أعظم مخترع في مصر، على الرغم من أن الثابت علميا أن البانجو يتلف خلايا المخ غير القابلة للتجدد، وبعد نجاح فيلمه الأول استمر على منوال دمج المخدرات نفسه مع الكوميديا في فيلمه الأخير "أنا مش معاهم".
أما أحمد حلمي فبعد أن وصل للبطولة المطلقة وتخلى عن دور السنيد واختار الكوميديا، لم يكن يستطيع تجاهل المخدرات في أفلامه هو الآخر، وبالأخص في فيلم "ظرف طارق" الذي امتلأ بالعديد من مشاهد التحشيش والمواقف الكوميدية مع تاجر المخدرات، وتصادق فيه أحمد حلمي مع كلب نور الشرس عن طريق إطعامه قطعة من الحشيش والتي من المفترض طبيا أن تسبب له "تلبكا معويا" لا أن يتبعها أحمد حلمي بعبارة "صحيح الكيف بيذلّ"، وفي فيلمه "جعلتني مجرما" ظهرت المخدرات أيضا في بدايته قبيل عملية الاختطاف عندما رد على غادة عادل "لا أصلي دلوقتي مسطول.. قصدي مشغول" بعد جلسة من التحشيش مع إدوارد.
وخرجت المخدرات أيضا من نطاق الأفلام الكوميدي لأنها واقع اجتماعي في النهاية، وظهرت في العديد من الأفلام الهامة مثل "دم الغزال" من بطولة نور الشريف ومنى زكي، وفيلم "أوقات فراغ" الذي يعتبر تجربة سينمائية جادة ومتميزة تدور كلها في سحابة من الدخان الأزرق، وزاد من جمال التجربة الكلمات المعبرة لأغنية الفيلم "بنلف في دواير.. وتلف الدنيا بينا" والتي كتبها الشاعر عبد الرحمن الأبنودي.
بالإضافة إلى فيلم "العار" في مرحلة سابقة والذي يدور بالأساس داخل عالم تجار المخدرات، ويمتلئ كغيره من أفلام المخدرات بالعديد من العبارات والمصطلحات غير المفهومة مثل "يفيّش الهوامش" والتي انتشرت بين الشباب على الرغم من غرابتها، ناهيك طبعا عن مشاهد المخدرات التي تمتلئ بها إعلانات الأفلام الحديثة على الفضائيات كفيلم "عجميستا" كمثال قريب.
ولأن عملية الحصر للمشاهد التي ظهرت فيها المخدرات في الأفلام هى عملية شبه مستحيلة تقريبا من كثرة هذه المشاهد، يتبقى لدينا فيلم وحيد يشكل علامة فارقة في عالم المخدرات على الشاشة، حيث أثار النجاح المذهل للفيلم آنذاك العديد من التساؤلات في مجالات كثيرة، والغريب أن الفيلم ما زال ناجحا حتى الآن وتجد كثيرا من الشباب العربي يحتفظون به على أقراصهم الصلبة ولا يستطيعون مسحه، هو فيلم "الكيف" إنتاج سنة 1985، بطولة محمود عبد العزيز، ويحيى الفخراني، وإخراج علي عبد الخالق، ويدور الفيلم حول أخوين متضادين في كل الأشياء، أحدهما عالم كيميائي، والثاني ضابط إيقاع، وحين ييأس الأخ العاقل من إقبال أخيه على المخدرات وإدمانه لحياة اللهو يبدأ محاولة إقناعه أن "الكيف" ما هو إلا وهم يتعاطاه المدمنون، ويشرع لتنفيذ خطة لإقناعه عن طريق صنع خلطة كيميائية على شكل الحشيش دون أن يكون لها أي مفعول، ولكن المفارقة تحدث عندما تعجب الخلطة أحد كبار تجار المخدرات ويبدأ في تزويدها بمخدر "الماكس فورد" وتوزعيها في الأسواق ليشرب منها صانعها نفسه "ويعمل دماغ"، والفيلم ككل هو معركة بديعة بين عالمين يتصارعان؛ أحدهما مثالي أكثر مما ينبغي، والآخر منغمسٌ في واقع مظلم أكثر مما يجب، نسج صراعهما ببراعة ودقة السيناريست محمود أبو زيد.
والفيلم يمتلئ عن آخره تقريبا بالصدمات للمتلقي، بداية من الأسماء الغريبة لأبطاله مثل "مزجانجي" واسم تاجر المخدرات "الكرف" وأسامي كتاب الأغاني فيه "ستموني" و"ننس" الذي قال له محمود عبد العزيز عبارته الشهيرة "إديني في الهايف، وأنا أحبك يا ننس"، بالإضافة إلى امتلاء الفيلم بالعديد من المقولات التي رددها الناس فترة طويلة كالعبارة السابقة، وغيرها كثير.. والمنطق العقلاني الصادم لمحمود عبد العزيز للدفاع عن أسلوب حياته مع استخدامه للغة غريبة غير مفهومة على امتداد الفيلم لإظهار واقع موازٍ لنوعية من الحياة في مصر تبدأ في التوسع والانتشار، هذا مع استخدام الأغاني الصادمة في الفيلم كمعادل موضوعي لثقافة هذه النوعية من الحياة، مثل أغنية "البيلي بيلي با" في أول الفيلم واقتباسها الأشهر "الكيمي كيمي كا" كنوع من التدليل للكيمياء التي فتحت أمامهما أبواب الثراء مثلما كان المطرب الأول يغني للـ"بلية" التي "لعبت معه"، وحتى الانتقال إلى الحداثة الغنائية المبكرة في الحديث عن "قفا الحبيب"، والغريب أن أغاني الفيلم تم تجميعها في شريط كاسيت "كسّر الدنيا" كما نقول في مصر عند طرحه بالأسواق.
وعن غزو المخدرات لأفلامنا العربية يقول الناقد محمود قاسم في حديث خاص مع mbc.net "المخدرات متواجدة بكثافة في السينما المصرية منذ فيلم "كوكايين" إنتاج سنة 1931، والعصر الذهبي لأفلام المخدرات هي حقبة الثمانينات بلا جدال، حيث شهد إنتاج أفلام مثل "الكيف" و"العار" وغيرهما الكثير الذي يدور في عالم المخدرات والإدمان، وأفلام المخدرات عامة تنقسم إلى قسمين؛ أفلام التهريب، وأفلام التعاطي.. وأعتقد أنه في الفترة الحالية يتم تقليل مثل هذه النوعية من الأفلام مقارنة بعقد الثمانينات مثلا".
ويضيف محمود قاسم عن ارتباط المخدرات بالكوميديا في الأفلام "ليس شرطا أن تكون المخدرات عاملا رئيسا في أي فيلم كوميدي أو أن ترتبط بالكوميديا فقط، وإن كان هذا لا يمنع أن المخدرات تحدث لدى الإنسان نشوة نفسية ربما يسترجعها المشاهد لدى رؤية مشهد شبيه في الفيلم، وهذا ما يجعل صناع أفلام الكوميديا يلعبون على هذه النقطة".